ام عماد- قصة قصيرة

لا تستطيع تخمين عمر هذين الطفلين من طولهما أو شكلهما فأحيانا ينطفيء ذلك اللمعان بالعين..ليس من حزن أو من تقدم عمر أو ما شابه ولكن من سوء التغذية, أنت لاتستطيع حتى تمييز لون البشرة من كثافة ما عليها من الوسخ الذي يترك بقعا كتلك التي على ممسحة ميكانيكي السيارات..واحدة من تلك البقع تمتد من فم أحدهم على خده مع آثار بقايا طعام أصفر اللون, وإن كنت أذكى قليلا فلسوف تلاحظ رغيف الخبز الذي يكوره في يده غير مبال بما يتساقط من صفار البيض فهو منهمك في متابعة صاحبه الذي يصوب على تلك الحفره الصغيرة بال(بلية)الزجاجية والتي انطفئ لمعانها أيضا تماما مثل أعينهما.
يرتدي أحدهما بنطالا أزرق اللون ذو شريط أبيض متسخ على جانبه..وإن كنت دقيقا للاحظت كرمشة أعلى البطال على خصر الولد مع ذلك الرباط المطاطي الذي يعيد قيافة خصر البنطال ليناسب خصر الولد النحيل..بينما يرتدي الآخر (فانلة) تشبه تماما تلك التي لفريق الأهلي وحتى تلك الإعلانات التي عليها مع الفارق أن الأهلي لم يرتد اللون الأصفر مطلقا.
قال ذلك الولد الممسك برغيف ..أقصد بكرة البض بفم ممتلىء :
-ولااا...كاسورة يلاا
فرد عليه الآخر:
=وحياة امي لأ
ثم طفق يأخذ (بليته) وباقي البلي من الحفرة سريعا..فما كان من الأول إلا أن قفز عليه صائحا بصرامة "سيب البلي يلاا..سيب البلي يلا"
يتعاركان ويتناثر من حولهما الغبار والصياح ولا مانع من صفار البض أيضا..الى أن يأتي صاحب محل (السمكرة) الذي يتشاجران أمام محله ممسكا أحدهما من قفاه مبعده عن الآخر صائحا "بس ياد يابن الهبلة منك له".ثم يأتي صوت امرأة هي أقصر مما ينبغي و أهذل مما ينبغي باستثناء امتداد بطنها للأمام في تناغم ما بين حملها ذو الشهر الخامس مع دهون منطقة البطن..تصيح المرأة "بس ياد يا عماد سيب صاحبك ياااد".
يجري صاحب عماد بالبلي هاربا فيصيح به عماد "ينعل أبو..." وأمثالها بينما يجري وراءه
تنظر الأم الى ولدها الذي يجري حافيا خلف صاحبه فتطيل النظر..هي لا تنوي فعل شيء ولا تفكر بشيء حال نظرها..غريبة تلك النظرة من الأم التي لا معنى لها..حالتان يتساوى فيها الأنسان مع الثدييات عموما...انحطاطا عند انعدام الذكاء ورقيا عند العاطفة. ثم تعيد تلك الشنطة الخضراء ذات البلاستيك المرن الرديء على رأسها وينسحب (السمكري) خجلا من ام عماد التى لتوه سبها.
.

Posted by Mohammad Aboul-wafa on Monday, July 09, 2007 at 7:51 PM | Permalink



الحياة في الاحياء الشعبية ما هي الا تكرار ممل لمثل هذه المشاهد

Posted by Blogger قليل من التفكير | 12:16 AM  

Post a Comment

Google Docs & Spreadsheets -- Web word processing and spreadsheets. Edit this page (if you have permission) | Report spam